فوائد في أدب الدعاة مع أقوامهم تأملات في ردود نوح عليه السلام على قومه
في هذا المقال المبني على القرآن الكريم، نستعرض تأملات عميقة في محاورات نوح عليه السلام مع قومه، لنستخرج فوائد أخلاقية ودعوية مهمة. الهدف الرئيسي: بيان فوائد في أدب الدعاة من خلال دراسة الآيات القرآنية التي تروي ردود نوح ومحاورته لقومه. المنهج: وصفي تدبري، يركز على تحليل الآيات ذات الصلة. أبرز النتائج والتوصيات: قصص الرسل نموذج للدعاة، مليئة بالفوائد. فهم معاني الآيات مفتاح لاستخراج الدروس. ردود الرسل تبين الحق وطرق الحوار مع الباطل. التأسي بصبر الرسل وتحمل الأذى ضروري لنجاح الدعوة. التمسك بالهدى القرآني يثبت الدعاة ويرفعهم. السنة النبوية تحث على العمل بالقرآن وتدبر سير المرسلين. دعوة لكل داعية: تأمل في قصة نوح لتعزيز أخلاقك الدعوية! #القرآن #الأخلاق #الدعاة #الرسل #نوح #الحوار #الفوائد
My post content
مقالات موقع خبرات طيبة للبحوث والدراسات
فوائد في أدب الدعاة مع أقوامهم تأملات في ردود نوح عليه السلام على قومه
عبد الله محمد السليمان
Abdullah Mohammed Al-Suliman
مسؤول الإرشاد والتوجيه الأكاديمي.University Guidance and Counseling Officer
السيرة الذاتية *
حصل على شهادة البكالوريوس - كلية العلوم الإسلامية تخصص أصول الدين والتفسير - الجامعة الإسلامية بماليزيا-
عام ٢٠١٩
قيد الماجستير كلية التفسير وعلوم القرآن / جامعة العلوم الإسلامية بماليزيا _ سيلانجور
المستخلص
موضوع البحث:
فوائدُ في أدب الدُّعاة مع أقوامهم، تأمُّلات في ردود نوح عليه السلام على قومه.
حدود البحث:
القرآن الكريم.
أهداف البحث:
بيان فوائدَ مهمة في أدب الدُّعاة مع أقوامهم من تأمُّلات في ردود نوح عليه السلام مع قومه في القرآن الكريم.
منهج البحث:
المنهج المتَّبع في هذا البحث هو المنهج الوصفيُّ التدبُّري من دراسة بعض الآيات التي ذُكر فيها ردود نوح مع قومه، ومحاورته لهم في القرآن الكريم.
أبرز نتائج البحث وتوصيَاته:
١- الأصل أن قَصص الرسل مع أقوامهم أنموذجٌ للدعاة في دعوتهم، ومحل تأمُّل يؤخذ منها فوائدَ.
٢- معرفة معاني وسياق الآيات سبيلٌ لأخذِ الفوائد منها.
٣- ردود الرسل مع أقوامهم أتت لبيان الحق وبيان طرق المحاورة بين الحقِّ والباطل على مدى الأزمان.
٤- التخلُّق بأخلاق الرسل والتَّأسِّي بسماتهم في الصبر، وتحمُّل الأذى مطلبٌ دعويٌّ لقيام الدعوة ومصالحها.
٥- فضل التمسُّك بالهدى القرآني، والعمل بآياته سبيلٌ لتثبيت الدعاة ورِفعتهم.
٦- الأحاديث النبوية والسنة الكريمة تحثُّ على العمل بالقرآن، وإدامة النظر في سِيَر المرسلين.
الكلمـات المفتاحية:
القرآن - الأخلاق - الدعاة - الأقوام - الرسل - نوح - الحوار - الفوائد.
abstract
Research Topic: Benefits in the Etiquette of Preachers with Their People: Reflections on Noah's Responses to His People
Research Limits: The Holy Quran
Research Objectives: To highlight important benefits in the etiquette of preachers with their people through reflections on Noah's responses to his people in the Holy Quran.
Research Methodology: The methodology followed in this research is the descriptive-introspective approach, through studying some verses that mention Noah's responses to his people and his dialogue with them in the Holy Quran.
Key Findings and Recommendations of the Research:
1] The basic premise is that the stories of the messengers with their people are a model for preachers and a place for reflection, from which benefits can be derived.
2] Understanding the meanings and context of the verses is a way to gain benefits from them.
3] The responses of the Messengers to their peoples were intended to clarify the truth and explain the methods of dialogue between truth and falsehood throughout the ages.
4] Adhering to the morals of the Messengers and emulating their characteristics of patience and endurance of harm is a requirement for the establishment of the call and its interests.
5] The virtue of adhering to the guidance of the Qur'an and acting upon its verses is a path to strengthening and elevating preachers.
6] The Prophetic hadiths and the noble Sunnah urge us to act upon the Qur'an and continually examine the biographies of the Messengers.
Keywords:
Qur'an – Ethics – Preachers – Peoples – Messengers – Noah – Dialogue – Benefits.
متن المقال
الحمد لله الذي لم يزل قدرُه عليًّا، وفي قهرِه قويًّا، خلق الإنسان فإما سعيدًا وإما شقيًّا، ورزق المطيع والغويَّ، وأنزل آيات بيناتٍ فهدى بها من الضلال طريقًا سويًّا، ﴿رب السموات والأرض وما بينهما فعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميًا﴾ [مريم: ٦٥].
والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ المبعوثِ مُتمِّمًا للرسل خير البشرية، وعلى آلِه وصحبِه الكرام رضِي الله عنهم أجمعين.
أما بعدُ: فلقد جرَت سنن الله الكونية في إرسالِ الرسل والأنبياء بين مدة وأخرى للخلق مبشِّرين ومنذرين للعباد؛ وَفْق ما يتلقَّونه من الهدى الربَّاني، ولقد زوَّدَنا القرآن بأخبارهم، وما لاقَوه من تعنُّت وشدَّة مع أقوامهم، وما بذلوا من صبرٍ وتحلٍّ بأدب معهم إلى حين بلوغ الغاية المرجوَّة من إرسالهم.
وعليه؛ صارت السنن في أتباع الرسل والأنبياء من العباد الدُّعاة والمصلحين: أنهم لمَّا كانوا سالكين مسلكَ الدعوة والإبلاغ للآخرين لا جرَمَ أنهم ملاقون ما لاقاه أشرفُ الناس وأطهرُ البشرية قبلهم؛ فكان لزامًا عليهم أن ينهلوا من أدبِ الرسل في وعظِهم لأقوامهم، وأن يتخذوهم أُسوةً في أساليب الدعوة؛ ليعود ذلك عليهم بالنَّفع، ويكون في ذلك تسلية ومَأْنَسٌ لهم، وإعانة، ودعم للصبر لهم؛ إذ إنهم لن يعدِموا شدةً وقسوةً حالَ اضطلاعهم بهذه الوظيفة الدعوية.
فجاء هذا المقال مسلِّطًا الضوءَ على أنموذجٍ نحثُّ فيه الدعاةَ والمصلحين أن ينهلوا منه مبينين لهم مفهومًا أخلاقيًّا بديعًا من قصة نوح عليه الصلاة والسلام في التعامل مع قومه وَفْق سياسة المُصلح الحقيقي، والمرشد الفعليِّ لمجموعةٍ بُعث إليها، مراعيًا في ذلك عظيمَ أدب النبوة مع المخالفين من قومه، في أنموذج فريدٍ يُظهِر مدى حرصه على هداية قومه، مُوظِّفًا أخلاقَه كونه مرسلًا مشفقًا عليهم مُراعيًا نظر الله إليه فيهم.
وقد ساق القرآن أحوالَه معهم في أكثرَ من سورة بالقرآن الكريم، وفي ذلك تسليةٌ للنبيء ﷺ، وتثبيت لفؤاده الشريف الزكي بمعرفة ما لاقاه الرسلُ عليهم السلام قبله من أقوامهم؛ فكان هذا الأنموذجُ جديرًا بالنظر له، والتأسي به؛ لزكاء النفس والخُلق الذي يصحب الداعيَ في طريق دعوته وتبلغِيه عن الله ورسوله.
تمهيد:
سنُشير في هذا المقال إلى أهمِّيَّة الأسلوب الدعوي للدُّعاة والمصلحين وَفْق تأمُّلات قرآنية تتمثَّل في طرحِ أنموذج أخلاقي في سيدنا نوح مع قومه؛ فإن مَن يتأمل ردودَه على قومه يجدها ناضحةً بهذا، وهو ما سأحاول في مقالتي هذه بيانَه بتتبُّعي لأطرافٍ من كلام نوح مع قومه في القرآن.
وقد جاءت الشريعة الإسلامية حاثَّةً على الأدب، وحسن الخلق في كلِّ الأحايين، وقد جعل الإسلام الأدبَ في منزلة العمل والتحلِّي به رفعةً في منازل الدارَين، وقد بيَّنت النصوص ومفهومها أن الخُلقَ الحسن يبلغ بصاحبِه درجةَ الصائم والقائم؛ وذلك تحفيزًا للعبد على التمسُّك بالآداب، وتبيينًا له أنه لا ينفكُّ بعمله التعبديِّ، أو يستغني به عن تحسينِ خلقِه.
ومن جملة مَن جعلهم الإسلام أولى بذلك هم أهلُ الدعوة والإصلاح وبذل النصيحة؛ فإن ما يتحلون به من أدب يؤثر في البيئة حولهم، وهو أُسٌّ مهم في طريق الداعية لله، قال تعالى: ﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾ [النحل: 125].
قال ابن الجوزي: «مواعظُ القرآن. قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: الأدبُ الجميل الذي يعرفونه. قاله الضحاك»[١].
وقال ابن القيم رحمه الله: «حُسن الخلق يقوم على أربعة أركان، لا يُتصوَّر قيام ساقِه إلا عليها: الصبر، والعِفَّة، والشجاعة، والعدل»[٢].
وقد جُمع حسنُ الخلق في قوله تعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٩٩].
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّكُم لا تَسعَون النَّاسَ بأموالِكُم، ولكِنْ لِيَسَعُهُم مِنكُم بَسطُ الوَجهِ وحُسنُ الخُلُقِ»[٣].
ولقد بيَّنت عدةُ مواضعَ في القرآن الكريم أحوالَ نوح عليه الصلاة والسلام وأخلاقَه في غير سورة، ومنها سورة هود؛ فقد خُصَّت بتفاصيلَ لم تُذكر في غيرها؛ فكان جديرًا بالداعية أن يقف مع هذه السورة العظيمةِ ناهلًا منها الفوائدَ.
وسنوضح إجمالًا مكانةَ سورة هود في القرآن الكريم:
تُعَدُّ سورة هود مكِّيَّةَ عند الجمهور إلا ثلاثَ آيات نزلت بالمدينة، نزلت هذه السورةُ بعد سورة يونس، وقبل سورة يوسف، وقد عُدَّت الثَّانيةَ والخمسين في ترتيب نُزول السور، ونقل ابنُ عَطِيَّةَ في أثناء تفسير هذه السورة: أنها نزلت قبل سورة يونس؛ لأن التَّحدِّيَ فيها وقع بعشر سور، وفي سورة يونس وقع التَّحدِّي بسورة.
وقد سُميت في المصاحف بهذا الاسم، وكذلك وردت هذه التسمية عن النبيء ﷺ في حديث ابن عباس: أن أبا بكر قال: يا رسول الله، قد شِبتَ، قال: «شَيَّبتني هودُ، والواقعةُ، والمرسلاتُ، وعمَّ يَتَساءلون، وإذا الشَّمسُ كُوِّرَت». رواه التِّرمذيُّ بسنَد حسَن[٤].
وقد تكرَّر فيها ذِكر اسمِ هودٍ عليه السلام خمسَ مرَّات، وحُكي عنه فيها أطولَ ممَّا في غيرها من السور، كما قال المفسرون فنُسِبت تسميتُها له عليه الصلاة والسلام.
وجاء ذِكر نوح فيها مع قومه مع ذكر شيء من قصته في سور قبلها كالأعراف، ويونس، وبعدها سورة الشعراء، إلا أن تفاصيلَ ذِكرِه في تلك السورة كان فيها بسطٌ ومزيدُ بيان، وتبيَّن أن الله تعالى: ذكر قصةَ نوح عليه السلام في خمسة وعشرين آيةً متفرِّقةً في القرآن الكريم.
وقد عدَّ ابن عاشور رحمه الله أن من أغراض سورة هود: تسليةَ الرَّسول صلى الله عليه وسلم عمَّا يقولُه المشركون، وما يقترحونه من آيات وَفْق هواهم.
ومن أغراضها كذلك:
· الإعلام بأنَّ الله مطَّلع على خفايا الناس.
· وأن الله مدبِّر أمورَ كلِّ حيٍّ على الأرض.
· وأن مرجعَ الناس إليه، وأنه ما خلقهم إلا للجزاء.
· وضرب مثل لفريقيِ المؤمنين والمشركين.
وذِكر نظائرهم من الأمم البائدة من قوم نوح، وتفصيل ما حلَّ بهم، وعاد وثمود وغيرهم، وتعريضٌ بما في جميع ذلك من العبر، وما ينبغي منه الحذر؛ فإن أولئك لم تنفعهم آلهتهم التي يدعونها، وأن في تلك الأنباء عِظةً للمتَّبعين بسِيَرهم[٥].
وبدا لي الأخذُ بشيء من قصة نوح منهجًا أخلاقيًّا فيما يناسب المقام بذِكر شيء منها، مبيِّنًا بعض الأساليب الأخلاقية التي قد تنفع الداعيَ إلى الله، لعل الحَذوَ بحذوها يُجنِّب الإشكالات، والنُّفور، والصُّدود الحالَّ بين بعض أوساط المسلمين، وهذا سبب اختيارنا واقتباسنا من سورة هود، وفيما يأتي تفصيلٌ وعرضٌ للجوانب الأخلاقية فيها:
خُلقُ سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام وتفهمه لطرائق قومه
مما لفَت القرآن الكريم إليه في غير سورة هود أن قوم نوح استقبلوا بلاغَ دعوته لهم برميِه بالضلال، كما جاء في سورة الأعراف حالَ مجادلتهم له، قال تعالى: ﴿قال ٱلملأ من قومهۦ إنا لنرىٰك فی ضلـٰل مبین﴾ [الأعراف: ٦٠].
فبيَّنت الآيات أن أكابرَ قومه تصدَّوا لمجادلته؛ نضالًا عن دينهم وباطلهم؛ قاصدين بذلك تقليلَ شأنه أولًا، ثم دافعين بهذا التقليل ردَّ أيِّ رسالات أتى بها جملةً، ورفْضَ أي تعاليمَ جاء بها من ربِّه إليهم، وفي ذلك حيلةٌ للتَّخلُّص من تصديق مَن حولهم أنه قد يكون على صوابٍ، أو يُسمَعُ لمعروض رسالته الشريفة.
قال الإمام الطاهر ابن عاشور رحمه الله مبيِّنًا معنى الضلال المذكور في الآية الكريمة: «والضلال: اسمُ مصدر (ضل)؛ إذا أخطأ الطريقَ المُوصِلَ، والمبين: اسم فاعل من (أبان) المرادفِ بان، وذلك هو الضلال البالغ الغايةَ في البعد عن طريق الحق، وهذه شبهة منهم؛ فإنهم توهَّموا أن الحق هو ما هم عليه، فلا عجَبَ إذا جعلوا ما بعُدَ عنه بعدًا عظيمًا؛ ضلالًا بيِّنًا؛ لأنه خالفهم، وجاء بما يعدُّونه من المُحال؛ إذ نفى الإلهيَّةَ عن آلهتهم؛ فهذه مخالفة، وأثبتها لله وحده؛ فإن كانوا وثنيِّين فهذه مخالفة أخرى، وتوعَّدهم بعذاب على ذلك، وهذه مخالفة أيضًا»[٦].
فاتَّضح لسيدنا نوح عليه الصلاة والسلام أن جُرم الآتي بالحق لقومه سيجعله محلًّا للشك في نزاهة عقله؛ ولذلك تفطَّن لمحاولة شخصنة الرسالة في حصرها فيه، وأنَّ فهمَهم يُعوِزُه شيء من الشُّمول والعمق؛ إذ الضلال متجذِّر فيهم، لا فيمن أتى بالحق لهم والنجاة لهم؛ فأخبر القرآن عن ردِّه عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى: ﴿قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين﴾ [الأعراف: 61].
وقد أجاب الإمام أبو زكريا الرازي في كتابه «أنموذج جليل في غرائب آيِ التنزيل» عن سؤالٍ طُرح عليه حول ردِّ نوح بالآية السالفة على قومه في ﴿معنى ليس بي ضلالة﴾؛ قال: «فإن قيل: لِم قال نوح: ﴿ليس بي ضلالة﴾ بالتاء، ولم يقل: ليس بي ضلال، كما وصفه قومه به؛ وذلك أشدُّ مناسبةً؛ ليكون نافيًا عينَ ما أثبتوه؟
قلنا: الضَّلالة أقلُّ من الضلال؛ فكان نفيُها أبلغَ من نفي الضلال عنه؛ كأنه قال: ليس بي شيءٌ من الضلال، كما لو قيل لك ألك تمرٌ؟ قلتَ: ما لي تمرةٌ؛ كان ذلك أبلغَ في النفي»[٧].
وفي ردِّ نوح مَلفَت أدبي رفيع، وتنزيهٌ لنفسه عن أدنى عيبٍ به دون التعرُّض لرمي الضلالة على القائلين، ومُلاحاتِهم بقلب الضلالة عليهم، والانتصار لنفسه، والسِّجال اللفظي الصارف عن غايته المبعوث بها؛ إذ إن الداعيَ لربه لا بد أن يكون على بصيرة وحكمة يؤتاها من تزكيتِه لنفسه مسبقًا، فسجل القرآن الكريم له هذه التألُّق في كون الداعي لربه لا يُعيقه تقُوٌّل الناس حالَ تبليغه مراد ربه، فالغاية الأخلاقية للدعاة تسمو فوق بُنيات الطريق، وعدم الاكثرات إلا بمنارات الطريق الدعوي، ومعلوم أنه الداعي لربِّه متى ما وظَّف الدعوة للرد على معارضيه فحسبُ؛ قُطع عليه التوفيق، واستمكن الشيطان من زِمام أمره، واستولى على جهده فأنزله بساحاتٍ بعيدةٍ عما كان يصبو إليه، وهذا نوعٌ من التحريش الشيطاني لحجبِ المصلحين عن بلوغ مُناهم بالالتفات لغير مبتغاهم؛ إذ الغاية الأسمى للشَّيطان تكثير التنازُعات، وإقامة شواخصِ النفوس وإعلاء أنَاتِه حين ادَّعى أنه خير من آدم آبيًا السجود له، وإيقاد فتنة ابني آدم المفضية إلى ﴿لأقتلنك﴾ [المائدة: 27].
ولطالما أضرَّ بالوقت الراهن سوءُ التصرُّف الأخلاقي بصورة الداعي، وأشعل فتيلًا للشامتين أن يشمتوا في طائفة المصلحين؛ وأن يروا في ذلك تعلُّلًا في نفورهم من المصلحين؛ فكان الخلاص بالتمسُّك بالأخلاق النبوية للمرسلين من قبلُ، وتذكُّر الوظيفة الحقيقة، كما قال نوح لقومه: ﴿أبلغكم رسالات ربي﴾ [الأعراف: ٦٢].
قال الإمام الطاهر ابن عاشور رحمه الله في الآية حول معنى البلاغ: «﴿أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم﴾ [الأعراف: ٦٢] للدَّلالة على أن الناصح أراد من نصحِه ذاتَ المنصوح، لا جلْبَ خير لنفس الناصح؛ ففي ذلك مبالغةٌ ودلالة على إخلاص النصيحة، وأنها وقعت خالصةً للمنصوح، مقصودًا بها جانبُه لا غيرُ، فرُبَّ نصيحةٍ ينتفع بها الناصح فيقصد النفعَين جميعًا، وربما يقع تفاوتٌ بين النفعين فيكون ترجيحُ نفعِ الناصح تقصيرًا أو إجحافًا بنفع المنصوح»[٨].
فكان تفهُّم نوح عليه الصلاة والسلام لطرائق قومه سبيلًا موفقًا أخلاقيًّا نبويًّا، حريٌّ بالمصلحين الحذوُ صوبَه في أسلوب تجاوُبِه مع كُبراء قومه، وأنموذجًا مُسليًا للرسل من بعدِه إن واجهتم تلك القضية والتُّهم.
ولعل تكرُّر ذكر قصتِه في القرآن الكريم، والتفنُّن في أساليب سردِها لتنوُّع كل فائدة عن الفائدة الأخرى في كل موضع، وإيقاظًا للذهن باستحضار هديِ الرسل في تبليغهم.
الثبات الأخلاقي لنوح عليه الصلاة والسلام مع استمرارية صدود قومه
لقد برزت جمالية الدعوة النبوية منذ بداية إرسال الرسل والأنبياء لأقوامهم في دقيقِ اختيار الرسل والمرسلين؛ إذ أظهر القرآن الكريم جانبًا كبيرًا من صفات الأنبياء في سرده لوقائعهم مع أقوامهم؛ ليُثبِت للمدعوين أن اختيار الرسل كان بعنايةٍ ربانية بليغة ليس لمتطلَّبات الناس فيها يد أو اشتراطات، قال تعالى: عن موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ولتصنع على عيني﴾ [طه: ٣٩].
قال قَتادةَ: «لتُغذَّى على محبتي وإرادتي». قال أبو عُبيدة: «على ما أريد وأحبُّ». قال ابن الأَنْباري: «هو من قول العرب: غُذِّي فلان على عيني؛ أي: على المحبَّة مني». وقال غيره: «لتُرَبَّى وتُغذَّى بمرأًى مني، يقال: صنع الرجل جاريتَه: إذا ربَّاها، وصنع فرسَه: إذا داوم على علفِه ومراعاته»[٩].
وقد لَفَت الإمام الزركشي ملفتًا بليغًا كذلك في أن الله تعالى اختار رسله وأنبياءه لعلمِه السابق بهم بتحمُّل تكاليف وأعباء النبوَّات، وأنهم يُطيقون ما لا يُطيقه غيرهم من العباد، وفي ذلك قطعٌ لحجج الأقوام حين خاطبوا المرسلين كنوح عليه الصلاة والسلام: ﴿ما نراك إلا بشرًا﴾ [هود: ٢٧] جاعلين من بشريَّتهِ تعلُّلًا لرفضهم دعوتَه وعدم اتباعِه.
قال ابن عاشور: «أي: ما نراك غيرَ إنسان، وهو مماثل للناس لا يزيد عليهم جوارحَ أو قوائمَ زائدةً»[١٠].
غيرَ أن معايير التفاضُل البشريَّة تتفاضل بما أودعه الله عليهم من خصائصَ نبوية ومعجزاتٍ ومُؤيِّدات سماوية؛ كالوحي الذي ينزل عليهم، ثم التفاضلُ الأخلاقي لهم بأنهم لا يقابلون قومَهم بشدة وغلظة مع استمرار عنادِهم لهم، بل تحمَّلوا عظائمَ الدعوة، ولِينَ الجانب معهم طامعين في نجاتهم من النار وسلامتهم الأخروية.
وهذا الموقف دائمًا ما ركَّزت عليه الآيات لتُثبت للدعاة والعباد من بعد الأنبياء ألا يصرفَهم سوءُ خُلق أقوامهم عن مآل الرسالة والآخرة، بل أبطل القرآن مُقايستهم لهم بأن أتباعهم عالةٌ وغيرُ وُجهاء. وقالوا: ﴿وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا﴾ [هود: ٢٧]. فجعلوا أتباعَ الناس المعدودين في عادتهم أراذِلَ محقورين دليلًا على أنه لا مِيزةَ له على سادتهم الذين يلوذ بهم أشراف القوم وأقوياؤهم؛ فنَفوا عنه سبب السيادة من جهتيْ ذاته وأتباعه.
قال ابن عاشور: «يعنون أن هؤلاء قد غرَّتهم دعوتُك فتسرَّعوا إلى متابعتك، ولو أعادوا النظرَ والتأمُّل؛ لَعلموا أنك لا تستحقُّ أن تُتَّبَع»[١١].
وفي هذا تعريضٌ بأنهم لا يتَّبعونه لأنهم يترفَّعون عن مخالطة أمثالهم، وأنه لو أبعدهم عنه لَاتبعوه؛ ولذلك ورد بعده: ﴿وما أنا بطارد الذين آمنوا﴾ [هود: ٢٩].
وفي هذا مَلفَت بليغ إلى عدم تصدر الدعاة للأشراف، والحرص عليهم طمعًا في دنياهم، وترك الضعفاء وإن كانوا في نظر الكُبراء أراذلَ؛ فالعبرة بما وَقَر في القلوب لا بما على الأجسام من ثيابٍ ومظاهرَ، والسَّواسية الخلُقية لا تتفاضل إلا بالتقوى والعمل الصالح.
وفي قول نوح لهم: ﴿وما أنا بطارد الذين آمنوا﴾ تأدُّبٌ مع ربه، ورعايةٌ لأخوة الإيمان التي أوصر عقدتَها الإسلام، وثباتٌ أخلاقي لنوح عليه الصلاة والسلام.
وقد أثبتت كل الأدلة القرآنية أن جميعَ الرسل من لدن آدم إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لم يطردوا أقوامًا لكسب آخرين، وقد تساءل هِرَقْلُ مع أبي سفيان حين سأله عن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم؛ أتبعه وآمن به كبار الناس أم ضعفاؤهم فأخبره أبو سفيان رضي الله عنه أن الضعفاءَ هم الغالب، فقال: وكذلك هم أتباع الرسل.
وفي الآية السالفة تأكيدٌ على أن منهج الرسل الأخلاقي واحدٌ لا يتبدَّل بتبدُّل الأزمان.
قال ابن عاشور في قوله تعالى: ﴿ولا أقول للذین تزدری أعینكم لن یؤتیهم ٱلله خیرا ٱلله أعلم بما فی أنفسهم إنی إذا لمن ٱلظـٰلمین﴾ [هود: ٣١]: «أبطله بطريقة التَّغليط؛ لأنهم جعلوا ضعْفَهم وفقرهم سببًا لانتفاء فضلِهم، فأبطله بأنَّ ضعْفَهم ليس بحائلٍ بينهم وبين الخير من الله؛ إذ لا ارتباطَ بين الضعف في الأمور الدنيوية من فقرٍ وقلةٍ وبين الحرمان من نَوال الكمالات النفسانية والدينية، وأعاد معه فِعلَ القول؛ لأنه أراد من القولِ معنًى غيرَ المراد منه فيما قيل، فالقول هنا كناية عن الاعتقاد؛ لأن المرء إنما يقول ما يعتقد، وهي تعريضه بالمخاطبين؛ لأنهم يُضمرون ذلك ويقدرونه»[١٢].
وفي هذا أيضًا:
الأدب في عدم تمنِّي استئصال المخالِفين ولا حَكر الفضل عن الضعفاء المتَّبعين
إذ إن مدار التقوى وأُسُّها هو في عدم رؤية النفس أولًا، ووضعها بموضع مقسم الهلاك والنجاة دون وحيٍ مسبَق من الله تعالى يُخبر بذلك.
علاوةً على عدم التقليل من شأن الآخرين، وكلاهما يجلب الآخرَ؛ فمن لم ير شواخصَ نفسه لن تحمِله نفْسُه على ازدراء الآخرين، والترفع عليهم، أو استجلاب حقٍّ له دونهم، أو أن يرى أنه بطاعته وعبادته له فضلٌ على الآخرين يجعله بمَحَلَّة السلامة وهم بمحَلَّة الهلاك، وقد أجمل ابن القيم رحمه الله في ذلك أيَّما إجمال في أن هذا قد يكون من سطوة الطاعة مبينًا خطورتها.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: «وقد تستولي النفسُ على العمل الصالح، فتصيِّرُه جندًا لها، فتصول به وتطغى... فترى العبد أطوعَ ما يكون، أزهدَ ما يكون، وهو عن الله أبعدُ ما يكون»[١٣].
ولم يكُن الأنبياء هكذا ألبتَّةَ، بل كانوا في غاية السلامة الروحية، وعدم احتكار الإيمان لهم فحسب، أو منعه عن أحد لدنوِّ مرتبته، بل يحملهم الإيمان على الشفقة والرحمة وتمنِّي تذوُّق مَن أمامهم تلك المنازل الإيمانية.
وفي هذا مَلفَت لِما يقع الآن من بعض الدعاة تجاهَ مَن خالفهم في رأيٍ أو عمل أو مذهب، مُوقِعين على المخالف أسمِنةَ الخِذلان، وفاتحين بوجههم أبوابَ الضلال، ناكرين حلولَ التوفيق عليه، حاجبين بتلك المخالفات عنه رحمةَ ربِّ السموات لمجرد أنهم دعَوه فلم يقبَلْ، أو عارَضَهم في أقوالهم، أو أنهم أعلمُ منه، وأسبقُ علمًا، وأكثرُ عددًا؛ فكان النموذج الأخلاقي النبوي لنوح يوضِّح رفيعَ شفقته بهم، وأن مرادَه ليس إلا أنهم خلقُ الله، وهذا مقام العبودية لله التي جمعتهم وهؤلاء الضعفاء، وأنهم مربوبون مأمورون، وتحت تصرفه جل جلاله بهم.
فالأنبياء أطوعُ الخلق لربهم، وأفقرُهم له، وأعدلُهم طريقًا، وألينُهم سبيلًا؛ فحبذا أن يكون هذا الأنموذجُ مسمعًا ومرأًى للسالكين والتابعين في عدم الحكم على نيات وخفايا قلوب الآخرين، كما جاء في ذلك قول الله تعالى: ﴿الله أعلم بما في أنفسهم﴾ [هود ٣١].
قال ابن عاشور في قوله تعالى: ﴿الله أعلم بما في أنفسهم﴾ [هود: ٣١] موضحًا مراد نوح بذلك: «أي: أنَّ أمْرَهم موكول إلى ربهم الذي علِم ما أودعه في نفوسهم من الخير، والذي وفَّقهم إلى الإيمان، أي: فهو يعاملهم بما يعلم منهم، وتعليقه بالنُّفوس تنبيهٌ لقومه على غلطِهم في قولهم: ﴿وما نرى لكم علينا من فضل﴾ [هود: ٢٧] بأنهم نظروا إلى الجانب الجثماني الدنيوي، وجهلوا الفضائلَ والكمالاتِ النفسانيةَ والعطايا الدنيَّةَ التي الله أعلمُ بها»[١٤].
ثم يستمرُّ تدفُّق الأدب النبوي تِجاه المخالفين له من قومه؛ إذ بيَّنت الآيات موقفه عليه الصلاة والسلام حينما طالبوه بما يوعِدهم وما ينتظِرُهم من عقوبات إن لم يستجيبوا له؛ فلم يستشفِ نوح عليه الصلاة والسلام ساعتها لنفسِه فيهم بسنين إعراضهم له، أو تغليظ الوعيد عليهم مقابلَ عنادهم المستمرِّ، أو تمني الخلاص من التبليغ الدعوي والهلاك لهم، بل أثبت القرآن الكريم تأدُّبَه مع الله تعالى في تحديد مواعيدِ مصائرهم، وما سيحل بهم، وأن مشيئةَ الله تعالى هي العادلة والحاكمة عليهم، وأن ذلك مرهونٌ بالغيب وبأمره تعالى، وليس له بذلك علمٌ وتدخُّل، وهذا يعطي للداعيين أنموذجًا في الانقياد لله، والتسليم له في شؤون خلقه وعباده، وهذا من كمال الربانية أولًا، ثم تفويض المخالفين لله وحده، بعد إتمام الزجر والتخويفِ لهم.
قال تعالى: ﴿قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين﴾ [هود: ٣٣].
قال الإمام القاسمي: «يعني: أنه ليس موكولًا إليَّ»[١٥].
وقال الإمام الرازي: «والمعنى: أن إنزالَ العذاب ليس إليَّ، وإنما هو خلقُ الله تعالى، فيفعَلُه إن شاء كما شاء، وإذا أراد إنزالَ العذاب فإنَّ أحدًا لا يُعجزه، أي: لا يمنعه منه، والمعجِز هو الذي يفعل ما عنده لتعذُّر مراد الغير، فيوصف بأنه أعجَزَه، فقوله: ﴿وما أنتم بمعجزين﴾ [هود: ٣٣] أي: لا سبيل لكم إلى فِعلِ ما عنده، فلا يمتنع على الله تعالى ما يشاء من العذاب إن أراد إنزالَه بكم»[١٦].
فحلولُ العقوبات أو الاستعجال بها ليست من خصائص الرسل، وإن كان مرَّ بالآيات دعاءُ الأنبياء على قومهم، غيرَ أن ذلك الدعاء لم يكن في مبتدأِ بُكورات سنين الدعوة، بل كان بعد سنينَ طِوالٍ، كما قال تعالى عن حال نوح: ﴿ولقد أرسلنا نوحا إلىٰ قومهۦ فلبث فیهم ألف سنة إلا خمسین عاما فأخذهم ٱلطوفان وهم ظـٰلمون﴾ [العنكبوت: ١٤].
قال الزركشي: «فإن في الإخبارِ عن المدَّة بهذه الصيغة تهويلًا على السامع؛ ليشهد عذرَ نوح عليه السلام في الدعاء على قومه.
وحكمة الإخبار عن المدة بهذه الصيغة: تعظيمٌ للمدة؛ ليكون أولَ ما يباشر السمع ذكر "الألف" واختصار اللفظ؛ فإن لفظ القرآن أخصرُ من "تسعمائة وخمسين عاما"، ولأن لفظ القرآن يفيد حصر العدد المذكور، ولا يحتمل الزيادةَ عليه ولا النقصَ»[١٧].
وقد أخبر الله تعالى عن إعلامه لنوح بأنه ﴿أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن﴾ [هود: ٣٦].
قال ابن عاشور: «واسم (أن) ضمير الشأن دالٌّ على أن الجملة بعده أمرهم خطيرٌ؛ لأنها تأييسٌ له من إيمان بقية قومِه، كما دلَّ حرف (لن) المفيد تأبيدَ النفي في المستقبل، وذلك شديدٌ عليه؛ ولذلك عقَّب بتسليته بجملة ﴿فلا تبتئس بما كانوا يفعلون﴾؛ فالفاء لتفريع التسليَة على الخبر المحزن».
والابتئاس: افتعالٌ من البؤس، وهو الهمُّ والحزن، أي: لا تحزن.
ومعنى الافتعال هنا: التأثُّر بالبؤس الذي أحدثه الخبر المذكور.
و(ما كانوا يفعلون) هو إصرارُهم على الكفر، واعتراضُهم عن النظر في الدعوة إلى وقت أنْ أُوحي إليه هذا، قال الله تعالى حكاية عنه: ﴿فلم يزدهم دعائي إلا فرارا﴾ [نوح: ٦]، ﴿وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا﴾ [نوح: ٧]»[18].
الخاتمة
خاتمة
حَفَلَت المقالة بقصَّة نوح عليه الصلاة والسلام مع قومه، وأنموذجًا رفيعًا انعكس على نظرتِه لهم، ورعايةَ نظر الله له فيهم، وحريٌّ بالمؤمن والمسلم الحذوُ حول تلك الآداب التي جاءت في القرآن للعمل بها، وإجالة الفكر في استخراج الجوانب الأخلاقية منها؛ لتكون منهجًا دعويًّا يسمو بالحق وأتباعه، ولقد ختم الله تعالى السورة بختامٍ يُحُثُّ على النظر فيها، وإدامة المرجعية لها، قال تعالى: ﴿وجاءك في هذه الحق﴾ [هود: ١٢٠].
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: «أنها الأقاصيص المذكورة»[١٩].
الذي نخلُص إليه مما تقدم بسطه في هذه المقالة: أن النظر في ردود سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام تِجاه قومه أنها تعدُّ أنموذجًا فريدًا ومنهجًا للداعي يوُصى بالاقتداء به، فمن سورة هود وسورة الأعراف مثلًا تبيَّن أن ساحة قصص الرسل في القرآن الكريم مليئةٌ بالفوائد والأساليب التي أصبحت مطلبًا ضروريًّا للدعاة والمصلحين.
إذ وضَّحت المقالة أهمِّيَّة فهمِ أحوال المدعوين قبل نُصحهم، وأهمية التحلِّي بالصبر تجاهَ قسوة القاسين من المخالفين.
كما وضَّحت المقالة ضرورةَ العودة للهَديِ القرآني للداعي إلى الله ملتمسًا من قصص الرسل نورًا يمشي به في الناس ليكتمل زاده قبل نزوله ميدان الدعوة.
ولقد وضح جليًّا لنا أن قصص القرآن باقيةٌ أثرها، وإن اختلفت طبائعُ الخلق وتمايَزَت الأزمان؛ فالحاجة ملحة للاستعداء بأخلاق المرسلين.
كما أننا نُوصي بالأخذ بالعبر والفوائد في السور الأخرى، ومع مختلف الأنبياء؛ ليحصُلَ بتلكم الفوائد الاعتزاز للداعية إلى الله، وحملُ الناس على العودة للقرآن، وهداياته الأخلاقية، والسلوكية للفرد، والمجتمع.
نسأل الله العليَّ القدير أن يجعلَ القرآن العظيم ربيعَ قلوبنا، ومنهجَ حياتنا، وأن يمُنَّ علينا بفهمِ كتابه، وأن يجعلَه حجَّةً لنا لا علينا، وألا يصرفنا عنه.
وصلى الله وسلم على رسولنا الكريم، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المصادر والمراجع
(١) زاد المسير ابن الجوزي (٤/٣٧٠).
(٢) مدارج السالكين (2/ 308).
(٣) بلوغ المرام من أدلة الأحكام: الحافظ ابن حجر العسقلاني (ص281) (ح1326)، وقال: أخرجه أبو يعلى وصححه الحاكم.
(٤) المصدر: صحيح الترمذي (ح3297 ).
(٥) تفسير التحرير والتنوير (١٣/١٢٦).
(٦) تفسير التحرير والتنوير (٩/١٩١).
(٧) غرائب آي التنزيل (ص١٤١).
(٨) تفسير التحرير والتنوير (ج٩/١٩٢).
(٩) فتح القدير للشوكاني (ج١/٩٠٩).
(١٠) تفسير التحرير والتنوير (١٣/46).
(١١) تفسير التحرير والتنوير (١٣/46).
(١٢) تفسير التحرير والتنوير (١٥/٣٠٣).
(١٣) مدارج السالكين (٣/٢١٠).
(١٤) تفسير التحرير والتنوير (١٣/46).
(١٥) تفسير القاسمي (٩/ ٣٤٣٣)
(١٦) تفسير الرازي (١٧/٢١٨).
(١٧) البرهان في علوم القرآن الزركشي (٣/٤٩).
(١٨) تفسير التحرير والتنوير (١٣/٦٦).
(١٩) تفسير زاد المسير (٤/١٠١).